عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ".
* رواهـ الـبـخـاري.
-----------------------
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
قَوْله: (فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ):
هَذَا اِسْتِدْلَال مِنْ أَبِي هُرَيْرَة عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَكْثَرِيَّة مَا عِنْد عَبْد اللَّه بْن عَمْرو اِبْن الْعَاصِ عَلَى مَا عِنْده.
وَيُسْتَفَاد مِنْ ذَلِكَ:
* أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَة أَكْثَر حَدِيثًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ إِلَّا عَبْد اللَّه، مَعَ أَنَّ الْمَوْجُود الْمَرْوِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَقَلّ مِنْ الْمَوْجُود الْمَرْوِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَة.
* فَإِنْ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع فَلَا إِشْكَال.
إِذْ التَّقْدِير: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْد اللَّه وَهُوَ الْكِتَابَة لَمْ يَكُنْ مِنِّي، سَوَاء لَزِمَ مِنْهُ كَوْنه أَكْثَر حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيه الْعَادَة أَمْ لَا.
* وإِنْ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل فَالسَّبَب فِيهِ مِنْ جِهَات:
1/ أَحَدهَا أَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ اِشْتِغَاله بِالتَّعْلِيمِ فَقَلَّتْ الرِّوَايَة عَنْهُ.
2/ أَنَّهُ كَانَ أَكْثَر مُقَامه بَعْد فُتُوح الْأَمْصَار بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ تَكُنْ الرِّحْلَة إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُب الْعِلْم كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيث إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَظْهَر هَذَا مِنْ كَثْرَة مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ثَمَانمِائَةِ نَفْس مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقَع هَذَا لِغَيْرِهِ.
3/ مَا اُخْتُصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَة مِنْ دَعْوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثهُ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا. إن شاء الله.
4/ أَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّام بِحِمْلِ جَمَل مِنْ كُتُب أَهْل الْكِتَاب فَكَانَ يَنْظُر فِيهَا وَيُحَدِّث مِنْهَا فَتَجَنَّبَ الْأَخْذ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِير مِنْ أَئِمَّة التَّابِعِينَ، وَاَللَّه أَعْلَم.