عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كان شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه:
(بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه). فبايعناه على ذلك.
* رواهـ البخاري – في كتاب الإيمان – باب (11).
( فتح الباري بشرح صحيح البخاري )
قوله: (كان شهد بدراً):
يعني حضر الوقعة المشهورة الكائنة بالمكان المعروف ببدر، وهي أول وقعة قاتل النبي صلى الله عليه وسلم فيها المشركين.
قوله: (بايعوني):
"المبايعة": عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيهاً بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ).
قوله: (ولا تأتوا ببهتان):
"البهتان": الكذب يبهت سامعه، وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال بقع بهما، إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي.
قوله: (فمن وفى منكم): أي: ثبت على العهد.
قوله: (فهو إلى الله):
قال المازني: فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة – لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل لا بد أن يعذبه.
وقال الطيبي: فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على احد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه.
قلت: أما الشق الأول فواضح. وأما الثاني فالإشارة إليه إنما تستفاد من الحمل على غير ظاهر الحديث وهو متعين.
قوله: (إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه):
يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب، وقال بذلك طائفة.
وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له – هل قبلت توبته أو لا.