عَنْ الْمَعْرُور بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فََإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
* رواهـ الـــبـــخـــاري - في كـتـاب الإيـمـان.
( فتح الباري بشرح صحيح البخاري )
قوله: (وَالْمَعْرُور): بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ كُوفِيّ أَيْضًا يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّة مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ يُقَال عَاشَ مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة.
قَوْله: (الرَّبَذَةِ): مَوْضِع بِالْبَادِيَةِ، بَيْنه وَبَيْن الْمَدِينَة ثَلَاث مَرَاحِل.
قَوْله: (فَسَأَلْته): أَيْ: عَنْ السَّبَب فِي إِلْبَاسه غُلَامه نَظِير لُبْسه، لِأَنَّهُ عَلَى خِلَاف الْمَأْلُوف، فَأَجَابَهُ بِحِكَايَةِ الْقِصَّة الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِك.
قَوْله: (سَابَبْت): فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " شَاتَمْت، وَمَعْنَى "سَابَبْت": وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنه سِبَاب بِالتَّخْفِيف.
قَوْله: (فَعَيَّرْته بِأُمِّهِ): أَيْ : نَسَبْته إِلَى الْعَار.
قَوْله: (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ): وَالْخَوَل: هُمْ الْخَدَم سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَخَوَّلُونَ الْأُمُور أَيْ: يُصْلِحُونَهَا، وَمِنْهُ الْخَوْلِيّ لِمَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِ الْبُسْتَان، وَيُقَال الْخَوَل جَمَعَ خَائِل وَهُوَ الرَّاعِي، وَقِيلَ التَّخْوِيل التَّمْلِيك تَقُول خَوَّلَك اللَّه كَذَا أَيْ مَلَّكَك إِيَّاهُ.
وَفِي تَقْدِيم لَفْظ إِخْوَانكُمْ عَلَى خَوَلكُمْ إِشَارَة إِلَى الِاهْتِمَام بِالْأُخُوَّةِ.
وَقَوْله: (تَحْت أَيْدِيكُمْ): مَجَازٌ عَنْ الْقُدْرَة أَوْ الْمِلْك.
قَوْله: (فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ): أَيْ: مِنْ جِنْسِ مَا يَأْكُلُ لِلتَّبْعِيضِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ "مِنْ".
قَوْله: (وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ): أَيْ: عَمَل مَا تَصِيرُ قُدْرَتُهُمْ فِيهِ مَغْلُوبَة، أَيْ: بمَا يَعْجَزُونَ عَنْهُ لِعِظَمِهِ أَوْ صُعُوبَته، وَالتَّكْلِيف تَحْمِيل النَّفْس شَيْئًا مَعَهُ كُلْفَة، وَقِيلَ هُوَ الْأَمْر بِمَا يَشُقُّ.
قَوْله: (فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ): أَيْ: مَا يَغْلِبُهُمْ.
وَالْمُرَاد أَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْد جِنْس مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُهُ وَحْده وَإِلَّا فَلْيُعِنْهُ بِغَيْرِه.
---------------------
وَفِي الْحَدِيث:
1/ النَّهْي عَنْ سَبّ الرَّقِيق وَتَعْيِيرهمْ بِمَنْ وَلَدَهُمْ، وَالْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَالرِّفْق بِهِمْ، وَيَلْتَحِق بِالرَّقِيقِ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَغَيْره.
2/ فِيهِ عَدَمُ التَّرَفُّع عَلَى الْمُسْلِم وَالِاحْتِقَار لَهُ.
3/ فِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر.
4/ فيه إِطْلَاق الْأَخ عَلَى الرَّقِيق.