عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: "مَنْ هَذِهِ"، قَالَتْ: فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا"، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
* رواهـ الـبـخـاري.
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
قَوْله: (تَذْكُر): أَيْ : يَذْكُرُونَ أَنَّ صَلَاتهَا كَثِيرَة.
قَوْله: (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ): أَيْ: اِشْتَغِلُوا مِنْ الْأَعْمَال بِمَا تَسْتَطِيعُونَ الْمُدَاوَمَة عَلَيْهِ، فَمَنْطُوقه يَقْتَضِي الْأَمْر بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يُطَاق مِنْ الْعِبَادَة، وَمَفْهُومه يَقْتَضِي النَّهْي عَنْ تَكَلُّف مَا لَا يُطَاق.
قَوْله: (لَا يَمَلّ اللَّه حَتَّى تَمَلُّوا): الْمَلَال: اِسْتِثْقَال الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته، وَهُوَ مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ.
قَوْله: (أَحَبّ): قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: مَعْنَى الْمَحَبَّة مِنْ اللَّه تَعَلُّق الْإِرَادَة بِالثَّوَابِ أَيْ: أَكْثَر الْأَعْمَال ثَوَابًا أَدْوَمهَا.
قوله: (وَكَانَ أَحَبّ الدِّين إِلَيْهِ): أَيْ: إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّف فِي الرِّقَاق فِي رِوَايَة مَالِك عَنْ هِشَام، وَلَيْسَ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ تَخَالُف، لِأَنَّ مَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه كَانَ أَحَبّ إِلَى رَسُوله.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: إِنَّمَا أَحَبَّ الدَّائِم لِمَعْنَيَيْنِ:
1/ أَنَّ التَّارِك لِلْعَمَلِ بَعْد الدُّخُول فِيهِ كَالْمُعْرِضِ بَعْد الْوَصْل، فَهُوَ مُتَعَرِّض لِلذَّمِّ.
2/ أَنَّ مُدَاوِم الْخَيْر مُلَازِم لِلْخِدْمَةِ، وَلَيْسَ مَنْ لَازَمَ الْبَاب فِي كُلّ يَوْم وَقْتًا مَا كَمَنْ لَازَمَ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ اِنْقَطَعَ.