عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
* رواهـ الـبـخـاري.
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
قَوْله: (الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن): أَيْ: فِي عَيْنهمَا وَوَصْفهمَا بِأَدِلَّتِهِمَا الظَّاهِرَة.
قَوْله: (وَبَيْنهمَا مُشَبَّهَات): أَيْ: شُبِّهَتْ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَتَبَيَّن بِهِ حُكْمهَا عَلَى التَّعْيِين، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُوَحَّدَة اِكْتَسَبَتْ الشَّبَه مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ.
قَوْله: (لَا يَعْلَمهَا كَثِير مِنْ النَّاس): أَيْ: لَا يَعْلَم حُكْمهَا، وَمَفْهُوم قَوْله " كَثِير " أَنَّ مَعْرِفَة حُكْمهَا مُمْكِن لَكِنْ لِلْقَلِيلِ مِنْ النَّاس وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ.
قَوْله: (فَمَنْ اِتَّقَى الْمُشَبَّهَات): أَيْ: حَذِرَ مِنْهَا.
قَوْله: (اِسْتَبْرَأَ):
أَيْ: بَرَّأَ دِينه مِنْ النَّقْص وَعِرْضه مِنْ الطَّعْن فِيه، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُعْرَف بِاجْتِنَابِ الشُّبُهَات لَمْ يَسْلَم لِقَوْلِ مَنْ يَطْعَن فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَوَقَّ الشُّبْهَة فِي كَسْبه وَمَعَاشه فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسه لِلطَّعْنِ فِيهِ، وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى الْمُحَافَظَة عَلَى أُمُور الدِّين وَمُرَاعَاة الْمُرُوءَة.
قَوْله : ( أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّه فِي أَرْضه مَحَارِمه):
وَالْمُرَاد بِالْمَحَارِمِ فِعْل الْمَنْهِيّ الْمُحَرَّم أَوْ تَرْك الْمَأْمُور الْوَاجِب.