تختلف التحية بين شعوب العالم من مصافحة الى ايماء الى انحناء الى الربت على الكتف، الى القبلة، وكل يجد في طريقة تحيته ميزة معينة، لكنني الى الآن لم استطع ان اكتشف على الرغم من بحثي وتقليبي للأمر، ومحاولاتي المتعددة للوصول الى السر في كثرة القبل في تحيتنا.
السلام عليكم: قُبل.. صباح الخير: قُبل.. مساء الخير: «بوس».. عظم الله اجركم: «بوس».. مبروك: بوس..
كثرة التقبيل في مجتمعاتنا على الطالعة والنازلة، ومهما كانت المناسبة وحتى من دون مناسبة، مسألة بحاجة الى نظر لأنها تبدو «ماسخة». طبعا لا احد ضد القبلة بمفهومها الحميمي، فالقبلة اولا واخيرا..هي رسائل حب، فقبلة الزوج لزوجته، والام لطفلها والابن لأمه هي من اهم وسائل التعبير عن العاطفة، وطريقة تواصل جميلة تقرب القلوب وتعبر عن المشاعر.
القبل التي نتساءل حولها هي التي تكون عادة مجرد رد الشفاه، واصوات ضائعة في الهواء، وضحك على الذقون. سيدة تجدها تقف في منتصف المجمع لتقبل سيدة اخرى خمسمائة الف بوسة، وتكون قد رأتها بالامس، رجل طول وعرض وشوارب يقف في الشارع ليقبل كل من يرى،وهات يا بوس بنات صغار في عمر الورد، نازلين بوس ببعض عالطالع والنازل، حتى الشباب الصغار، يقبلون بعض في الشارع والمقهى والمجمع بلا معنى.
كما لكم ان تتخيلوا مجلس عزاء نسائيا، تدخل سيدة فتجد من عشر الى عشرين سيدة يقفن لاستقبال العزاء. هي تعرف واحدة منهن فقط، لكنها تستجمع شجاعتها وتتقدم وتبدأ بواجب العزاء. بقبلتين ان لم يكن اكثر لكل سيدة، تخرج السيدة من العزاء، وقد اكملت ما عليها من واجبات، وصفقت مائتي بوسة في الهواء لأناس لا تعرف حتى اسمهم، والمصيبة الاكبر هنا هي عند المساكين متقبلي العزاء، فبحسبة بسيطة نستطيع ان نقدر ان كل سيدة واقفة تستقبل عزاء «يطرق» خدها يوميا بين الخمسة الى عشرة آلاف بوسة من ناس لا تعرفهن، مما يجعلنا نرثي لحالها ليس فقط لفقدان عزيز، بل ايضا لهذا الكم من البوس الذي تتلقاه حتى ينتهي العزاء.